اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح رسالة أبو زيد القيرواني
41338 مشاهدة
الله تعالى هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية

ثم بعد ذلك أخذ يفصل فيذكر بعض الصفات، قوله: ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء. هذه عبارة يذكرها كثير من العلماء أن الله تعالى ليس له بداية، أنه أول قديم لم يُسبق بعدم، أنه القديم الذي ليس لأوليته بداية، وأنه الباقي الذي ليس لآخريته نهاية، قد أخبر الله تعالى بأنه الحي الذي لا يموت وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ فأخبر بأنه الحي القيوم، الذي لا يموت ولا يفنى ولا يزول، وليس لآخريته نهاية، فالمخلوقات كلها معلوم أنها حادثه، وأما الرب تعالى فإنه ليس له أولية ولا له آخر، هكذا.
ثم إن بعض العلماء كأنه استثقل هذا وقال: الأولى أن نعدل إلى التفسير النبوي. في الحديث الصحيح الذي في الدعاء وفيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر الحديث الطويل المشهور.
في هذا الحديث: أنت الأول ليس قبلك شيء وهذا تفسير ظاهر أن الله تعالى هو الأول والآخر هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وإذا كان هو الأول فمعلوم أن جميع من في الوجود فإنهم خلقه، وإذا كانوا خلقه فإنهم حادثون، والحادث لا بد أن يكون له محدث، والمحدث هو الله تعالى، وإذا قيل إنه هو الخالق فإنه لا يجوز أن يكون مسبوقا بعدم؛ لأنه حينئذ يحتاج إلى من يخلقه-تعالى الله- ولو كان له خالق لكان أيضا ذلك الخالق له خالق فيلزم التسلسل؛ فلأجل ذلك نقول: الله تعالى هو الأول وليس لأوليته ابتداء وليس لآخريته انقضاء.
ولذلك لما أخبر عن كلامه بقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ يعني: لو كان البحر ومثله بحار الدنيا ومثلها سبعة أبحر، وكان شجر الدنيا كله أقلاما، وكتب بتلك الأقلام، وكتب بتلك البحار؛ لنفدت البحار، ولنفدت وتكسرت الأقلام قبل أن يفنى كلام الله. يقول ابن القيم وكيف يفنى وليس له بداية ولا نهاية، والمخلوقات لها بداية ونهاية.